”أبيدوس.. كنز فرعوني على الهامش!”ومعلومات امام رحلات اليوم الواحد من الغردقة

"أبيدوس.. كنز فرعوني على الهامش!"ومعلومات امام رحلات اليوم الواحد من الغردقة
بقلم: محمد السيد سليمان
في الوقت الذي تتسابق فيه الدول على توظيف كل ما تملكه من تراث وتاريخ في خدمة اقتصادها وسياحتها، تبقى منطقة "أبيدوس" الأثرية بمحافظة سوهاج شاهدًا صامتًا على مفارقة محزنة: كنز أثري فريد، لكنه مهمل على هامش الخريطة السياحية، يُكابد المعوقات بدلًا من أن يُحتفى به.
تُعد رحلات اليوم الواحد من الغردقة إلى معابد أبيدوس نموذجًا حيًّا لهذا التناقض. فالطريق الذي يفترض أن يقود الزائر إلى حضارة تمتد آلاف السنين، بات في الواقع مسارًا طويلًا من التحديات والمشاهد الصادمة، تبدأ باكوام القمامة ولا تنتهي عند العشوائية والتعديات التي تحاصر الزوار منذ لحظة الوصول.
ما يجري في الطريق إلى معبد سيتي الأول – أحد أعظم معابد مصر القديمة – لا يمكن وصفه سوى بأنه إهدار لفرصة ذهبية. أبيدوس ليست مجرد موقع أثري، بل مركز روحي وتاريخي بالغ الأهمية، كانت تُعد "بلد الحج" في عصور الفراعنة، وتحظى بمكانة خاصة لدى الزوار المثقفين الباحثين عن تجربة متكاملة تمزج بين المعنى والدهشة. هؤلاء لا يأتون للصور السريعة، بل للسؤال عن أسرار النقوش، وموقع قائمة الملوك المنقوشة على جدران المعبد، والتأمل في أقدم النصوص الدينية التي عرفتها البشرية. ولا رؤية تنظيمية حقيقية. هذا ليس طريقًا إلى معبد، بل طريق إلى الإحباط.
ما يدعو للأسى أن الجهود الفردية لا تنقطع. شركات السياحة، المرشدون، بل حتى بعض المبادرات المحلية، يحاولون إبقاء هذا المسار على قيد الحياة، لكن يدًا واحدة لا تصفق. كما يقول بشار أبو طالب، نقيب المرشدين السياحيين بالغردقة، فإن فتح الطريق الخلفي المؤدي إلى المعبد أصبح ضرورة وليس ترفًا. فالمسار الحالي يُرهق السائح ويطيل زمن الرحلة بلا مبرر، ويهدد بتحول الزيارة إلى تجربة مُنفّرة بدلًا من أن تكون ملهمة.
ورغم كل ما يقال عن دعم السياحة الثقافية، ما يزال مطار الغردقة – الذي يستقبل آلاف الزوار أسبوعيًا – بلا لافتة واحدة تشير إلى معابد أبيدوس، ولا توجد رحلة طيران داخلية منتظمة تربطه بمطار سوهاج، ولا إعلان في ميناء سفاجا عن هذا الموقع الفريد. أي منطق هذا الذي يعزل البحر عن الصعيد، بينما العالم يتحدث عن تكامل المنتج السياحي وتنوع التجربة؟
المرشدون السياحيون – من بدوي عبدالكريم إلى عادل مصطفى – يطلقون صيحات استغاثة لا يسمعها أحد. إنهم يرون في الطريق إلى أبيدوس أكثر من مجرد ممر، بل هو مرآة تعكس مدى احترام الدولة لتاريخها، أو عدمه.
إن إنقاذ أبيدوس لا يحتاج ميزانيات خيالية، بل إرادة واضحة، وتنسيق جاد بين وزارة السياحة، والتنمية المحلية، ومحافظة سوهاج. نحتاج إلى تطوير الطريق، تأمينه، تجميله، وتوفير الخدمات الأساسية على امتداده. نحتاج إلى لافتات، نقاط معلومات، وربما مركز استعلامات يليق بزائر جاء من النمسا أو اليابان ليرى مصر.
نحتاج – ببساطة – إلى أن نُدرك أن السياحة الثقافية ليست ملفًا للعرض الموسمي، بل شريان حيوي لمكانة مصر وهويتها واقتصادها.
أبيدوس لا تعاني من نقص في القيمة، بل من نقص في الرؤية.
وإذا لم نرَ نحن كنوزنا، سيبقى السائح وحده، يطأ بقدميه تاريخًا مدهشًا، محاطًا بواقع مؤلم، ثم يغادر في صمت، دون أن يعد.