السبت 5 يوليو 2025 02:25 صـ 8 محرّم 1447 هـ
مصر نيوز 24
رئيس التحرير محمد سليمان
×

شعاب سطايح بمرسى علم.. جنة الدلافين وسر الجاذبية البحرية في جنوب البحر الأحمر

الجمعة 4 يوليو 2025 05:47 مـ 8 محرّم 1447 هـ
شعاب سطايح بمرسى علم.. جنة الدلافين وسر الجاذبية البحرية في جنوب البحر الأحمر
شعاب سطايح بمرسى علم.. جنة الدلافين وسر الجاذبية البحرية في جنوب البحر الأحمر

في عمق مياه مرسى علم الهادئة، وتحديدًا في شعاب "سطايح" البحرية، تنبض الحياة بتفاصيل لا تُرى في أي مكان آخر، حيث تستقر واحدة من أعظم ثروات البحر الأحمر البيئية والسياحية، إنها "الدلافين الدوارة" التي اختارت هذا الموقع الفريد موطنًا دائمًا لها، فصنعت من الشعاب المرجانية حكاية جذب استثنائية، يتوافد إليها آلاف السائحين سنويًا من مختلف الجنسيات، وتُعد الآن من أهم مناطق الغوص والأنشطة البيئية في مصر، وأغناها تنوعًا وجمالًا وثراءً بيولوجيًا.

بيت الدلافين كما يُطلق عليه في شعاب سطايح جنوب مرسى علم، ليس مجرد منطقة شعاب عادية بل هو نظام بيئي دقيق وملاذ طبيعي للكائنات البحرية وعلى رأسها الدلافين المغزلية أو الدوارة التي تتخذ من هذا المكان نقطة استراحة نهارية رئيسية، تمكث فيها بهدوء، تستجم، وتقوم بأنشطتها الاجتماعية، قبل أن تنطلق مع الليل نحو الصيد في أعماق البحر، وتتميز دلافين سطايح بنسبة ظهور عالية تصل إلى أكثر من ٩١٪ من أيام السنة، وهي نسبة مذهلة جعلت من هذه المنطقة واحدة من أعلى معدلات مشاهدة الدلافين في العالم، وساهمت في شهرتها الواسعة بين هواة الحياة البحرية ومصوري الطبيعة، كما أن أعداد الدلافين المقيمة بهذه المنطقة تتراوح بين ٢٤ و١١٢ دولفينًا، بمتوسط يومي يبلغ نحو ٥٨ دولفينًا، ما يعكس الاستقرار البيئي والجاذبية الطبيعية لهذا الخليج الفريد.

وتأتي الإناث الحوامل من هذه الدلافين إلى سطايح في الفترة ما بين نوفمبر ويونيو من كل عام، بينما تحدث عملية الولادة ووضع الصغار خلال شهري يوليو وأغسطس، مما يجعل سطايح أيضًا دار حضانة طبيعية لها خصوصيتها البيولوجية الدقيقة، والتي تتطلب أقصى درجات الحماية، حفاظًا على توازن البيئة البحرية واستمرارية هذا النوع شديد الأهمية في المنظومة البحرية.

ولأن شعاب سطايح تجمع بين الأهمية البيئية العالية والجاذبية السياحية المتنامية، وضعت وزارة البيئة خطة إدارة متكاملة للمنطقة تهدف إلى الحفاظ على استدامة هذا المورد الطبيعي الحيوي، وضمان سبل الراحة والأمان للدلافين المقيمة فيها. وبحسب الخبير البيئي الدكتور محمد إسماعيل، فقد تم تقسيم منطقة شعاب سطايح إلى أربع مناطق استخدام رئيسية، كل منها له قواعده الخاصة في الحركة والأنشطة البشرية، وفقًا لدرجة القرب من مناطق استراحة الدلافين ومستويات الحساسية البيئية، وبدأ التقسيم بالمنطقة (أ١ وأ٢) في الجزء الشمالي الشرقي والجنوب الشرقي من الشعاب، وهما منطقتان ضحلتان لا تتجاوز أعماقهما أربعة أمتار، وأثبتت عمليات الرصد أن الدلافين تقضي فيهما ما نسبته ٨٨٪ من وقتها النهاري، مما جعلهما مناطق حماية مطلقة لا يُسمح بدخولها إلا للبحث العلمي وبموافقة مسبقة من إدارة محمية وادي الجمال – حماطة، وهما بذلك يمثلان القلب النابض لحماية سطايح البحرية.

أما المنطقة (ب٢) فتُعد منطقة عازلة مجاورة للمنطقة المحمية، وتُمنع فيها أنشطة الغوص وحركة اللنشات، بينما يُسمح فقط بأنشطة السنوركل والبحث العلمي، وبشروط تضمن عدم الإزعاج، تليها المنطقة (ج) وهي منطقة خارجية أكثر اتساعًا يُسمح فيها بممارسة السنوركل والغوص وحركة الزودياك الصغيرة، بشرط أن لا تتعدى سرعة التحرك عشر عقد بحرية في الساعة، وأخيرًا المنطقة (د) وهي المنطقة المخصصة فقط لرسو القوارب السياحية، ولا يُسمح لأي مركب بالرسو خارجها، منعًا لإحداث اضطرابات في النظام البيئي أو التسبب في تشتت الدلافين عن موائلها.

وتخضع شعاب سطايح حاليًا لإشراف بيئي دقيق من جانب وزارة البيئة ومحميات البحر الأحمر، بالتعاون مع مراكز الغوص المرخصة والجهات السياحية العاملة في مرسى علم، حيث يتم تحصيل رسوم دخول ومتابعة صارمة للحركة في الموقع، إلى جانب تنفيذ برامج توعوية للسائحين عن كيفية التعامل مع الدلافين دون إزعاجها، مع الالتزام بمسافة آمنة وعدم ملامستها أو مطاردتها، في إطار منظومة متكاملة تجعل من السياحة البيئية مصدر دخل للدولة، وأداة فعالة لحماية الكائنات البحرية.

وتُعد سطايح اليوم نموذجًا مثاليًا للتنمية السياحية المستدامة، حيث يتكامل فيها الاقتصاد البيئي مع حماية الطبيعة، فهي لا تقدم فقط تجربة غوص فريدة أو لقاءً مباشرًا مع الدلافين، بل تمنح السائح لحظة نادرة من السلام والتواصل مع عالم طبيعي لا يزال يحتفظ بنقائه وصفائه، في مكان تتراقص فيه الدلافين بحرية، وتتحدث فيه الشعاب المرجانية بلغتها الصامتة العتيقة، معلنة أن البحر الأحمر لا يزال يحتفظ بكنوزه، وأن شعاب سطايح، في أقصى جنوبه، هي جوهرته الأثمن التي تستحق الحماية والفخر والانتباه الدائم.