البحر الأحمر.. مزارع الرياح تقود مصر إلى مستقبل الطاقة النظيفة

وسط الصحراء الممتدة وعلى سواحل البحر الأحمر المتلألئة، تشهد مصر واحدة من أنجح تجاربها في مجال الطاقة المتجددة، حيث تتحول رياح البحر الأحمر إلى مورد استراتيجي يمد البلاد بالطاقة النظيفة، ويدفع بعجلة التنمية المستدامة قدمًا نحو مستقبل أقل اعتمادًا على الغاز وأكثر توافقًا مع البيئة فمن رأس شقير إلى جبل الزيت، ومن الزعفرانة إلى رأس غارب، تصطف توربينات الرياح شامخة، تُدوِّر شفراتها بسلاسة في مشهد مهيب، ليس فقط لإنتاج الكهرباء، بل لتوليد أمل جديد في بيئة أنظف واقتصاد أكثر تنوعًا
كما تعد منطقة الزعفرانة بمثابة بوابة مصر الأولى لدخول عالم طاقة الرياح في مطلع الألفية الجديدة. تقع المحطة في منطقة استراتيجية شمال محافظة البحر الأحمر، وتتميز بمتوسط سرعة رياح مرتفع جعلها موقعًا مثاليًا لهذا النوع من الطاقة وتضم الزعفرانة عدة مشروعات بالتعاون مع شركاء دوليين من ألمانيا والدنمارك واليابان، بإجمالي قدرة إنتاجية تجاوزت 545 ميجاوات. وتُعد هذه المحطة نموذجًا ناجحًا للتعاون الدولي في تمويل وتنفيذ مشروعات الطاقة المستدامة، كما ساهمت في تدريب الكوادر المصرية ونقل التكنولوجيا الحديثة.
وتعد رأس شقير التي تقع على شمال الغردقة، وتُعد من أوائل المناطق التي رُشحت لتكون قاعدة لمشروعات طاقة الرياح، نظرًا لموقعها الجغرافي المثالي وتدفق الرياح المستمر فيها طوال العام.وتشهد المنطقة حاليًا أعمال توسعة لمحطة جديدة بطاقة 200 ميجاوات، بالتعاون مع مستثمرين أجانب، ضمن خطة الحكومة لزيادة مساهمة الطاقة المتجددة في الشبكة القومية. كما تفتح رأس شقير آفاقًا جديدة للاستثمار في الصناعات المرتبطة بتصنيع وصيانة التوربينات.
واكد اللواء ممدوح نديم رئيس مدينة رأس غارب ان المدينة تضم العديد من مشروعات محطات طاقة الرياح وتعد محطة رياح رأس غارب واحدة من أبرز محطات توليد الطاقة المتجددة في مصر، إذ تصل قدرتها الإنتاجية إلى 500 ميجاوات، مستندة على 200 توربينة ذات تقنيات حديثة، تم إنشاؤها بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، وبتمويل دولي من مؤسسات أوروبية وآسيوية.وهذه المحطة، التي تقع على بُعد قرابة 30 كيلومترًا شمال المدينة، لا توفر فقط طاقة نظيفة، بل ساهمت في خلق مئات الوظائف لأبناء المنطقة، كما دفعت نحو تطوير البنية التحتية، مما جعل رأس غارب تتحول تدريجيًا إلى مدينة صديقة للبيئة ومركز طاقة حيوي.
وأضاف ندبم انه على الجانب الآخر، تشتهر محطة جبل الزيت بأنها الأكبر من نوعها في الشرق الأوسط، حيث تضم أكثر من 390 توربينة، بقدرة إجمالية تصل إلى 580 ميجاوات. وتُقدر التكلفة الإجمالية للمشروع بنحو 12 مليار جنيه مصري.وان اهم ما يميز محطة جبل الزيت ليس فقط سعتها الإنتاجية، بل نظامها التقني المتقدم، إذ تحتوي على نظام متكامل لرصد الطيور المهاجرة، يعمل على إيقاف التوربينات مؤقتًا حفاظًا على التنوع البيولوجي، وهو ما يجعل المشروع نموذجًا يُحتذى به عالميًا في التوازن بين التنمية البيئية وحماية الحياة البرية.
واكد اللواء عمرو حنفي محافظ البحر الاحمر انه بخلاف الأثر البيئي،الذي تلعبه مشاريع الطاقة المتجددة فان لهاةدورًا جوهريًا في دعم الاقتصاد المحلي، من خلال خلق آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة، سواء في أعمال التركيب، الصيانة، الإدارة، أو حتى الخدمات المصاحبة كما تُسهم هذه المشروعات في تقليل العجز في الميزان التجاري من خلال تقليص واردات الوقود، وتوفير الكهرباء للمناطق النائية بتكلفة أقل، ما يعزز من جودة الحياة ويخفف الضغط عن الشبكات التقليدية حيث تسعى مصر إلى الوصول بنسبة 20% من إجمالي إنتاج الكهرباء من مصادر متجددة بحلول عام 2030، مع وجود خطة لتجاوز هذه النسبة لتصل إلى 42% بحلول 2035
وأوضح حنفيان منطقة البحر الأحمر تعد حاليًا قلب هذه الخطة، بفضل امتلاكها أعلى معدلات سرعة رياح في العالم، تصل في بعض المناطق إلى 10 أمتار في الثانية، وهو ما يجعلها مثالية لإقامة مزارع رياح على نطاق واسع.وان مصر تمضي بخطى واثقة نحو التحول إلى قوة إقليمية في مجال الطاقة النظيفة، مستفيدة من موقعها الجغرافي، ومواردها الطبيعية، ودعم الشركاء الدوليين. ولعل البحر الأحمر، بتوربيناته البيضاء المتمايلة على وقع الرياح، سيظل شاهدًا على إرادة أمة قررت أن تُولد مستقبلها من رحم الطبيعة، لتكتب فصلاً جديدًا في قصة التنمية والنهضة.
كما أنه لا تقتصر مشاريع مزارع الرياح على كونها محطات توليد كهرباء فحسب، بل تشكل ركيزة جديدة لتعزيز السياحة البيئية في البحر الأحمر. إذ بدأت بعض الشركات السياحية في تنظيم جولات تعريفية لزوار الغردقة للتعرف على هذه المحطات الصديقة للبيئة، ما يمهد لتحويل المنطقة إلى مقصد سياحي بيئي بامتياز وتتسق هذه التوجهات مع أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة، ومع رؤية مصر 2030، التي تضع التحول إلى الاقتصاد الأخضر في صميم أولوياتها